زاوية قانونية
أخر الأخبار

إنترنت الأشیاء والقانون

الجمیع یحتاج للتقنیة في كل مناحي الحیاة وعلى مدار الساعة، ومشوار الثورة التقنیة الحدیثة منذ بدایته وھو یسابق الزمن حتي وصل الى مشارف مرحلة ما نعایشه الآن من تقدم تقني عدید المشارب ومنھ ما یعرف فنیا بمرحلة “إنترنت الأشیاء” (IOT). وھذه المرحلة الجدیدة بدورھا تعمل دون كلل لإحداث تغییرات كبیرة في مجال التقنیة وفي عالمنا المعاصر تحت مظلة الذكاء الاصطناعي.


وھذا الزخم التقني، یعود بصفة اساسیة لوجود أجھزة الاستشعار الذكیة والشبكات ونقاط التواصل التي أصبحت تغطي كل ركن في عالمنا وفي ید كل شخص في كل مكان وزمان. ومع التقدم التقني المضطرد في قدرات الحواسیب العملیة والتخزینیة والذكاء الاصطناعي المتطور، فان العالم بالـتأكید سیشھد تحولاً كبیراً في التفاعل عبر كافة وسائل التقنیة وخاصة الإنترنت وما سیتبعه من الوسائل الأخري.


ان الكثیر من المعلومات والبیانات “الداتا” ستصبح متوفرة للجمیع عبر الشبكة العنكبوتیة وذلك بواسطة دوائر واسعة من الاتصالات ستوفر العدید من البیانات التفصیلیة التي یمكن الاستفادة منھا في كل المجالات. ومن خلال شبكات “إنترنت الأشیاء” سیكون ھناك امكانیة غیر محدودة من المعرفة والمعلومات والبیانات اضافة لسبل التواصل المتعددة. ومن الأمور التي ساعدت كثیرا على انتشار فكرة “إنترنت الأشیاء” وجود تقنیات حدیثة ساعدت على توفیرھا لنا، مثل تقنیة تحدید الھویة من خلال موجات الرادیو المستخدمة في البطاقات الذكیة وعملیات تعقب البضاعة في المخازن وتقنیة الاستشعار عن بعد وأنظمة “الكود” الرقمیة مثل “الباركود” وأنظمة الاتصال اللاسلكیة مثل “البلوتوث” وشبكات “الواي فاي”، وغیرھا الكثیر مما ھو في رحم التقنیة وخیال المبدعین في ھذه التقنیة الحدیثة المستحدثة… حتى نصل لمرحلة الاندماج مع النت ونصبح جزءا لا ینتجزأ منه، كما قال مؤسس فیسبوك مارك زوكربیرع.

وعبر ھذه الوسائل العدیدة وتداخلھا وتشبیكھا مع بعض، تم ویتم الاستفادة من التقنیة الحدیثة في “عصر التقنیة الرقمیة” الذي نعیشه ونعایشه. وللتوضیح نذكر بعض الأمثلة المتوفرة، منھا مثلا ما ورد في تقریر مستشفى أمریكي حیث ذكروا أنھم قاموا بتصمیم نموذج لنظام خاص للرعایة الصحیة الدوریة لمعرفة التطورات في تجربة علاج المریض والسلامة الطبیة وكفاءة الموظفین، حیث یقوم النظام التقني بتتبع مكان المعدات الطبیة الحرجة ورصد درجات الحرارة في المستشفى وجمع بیانات دقیقة عن امتثال الجمیع للسلامة كنظافة الیدین والمعدات والأمكنة…. وإلى جانب رعایة المریض، ھناك أیضا جمع البیانات عن تتبع مھام الممرضات والمساعدین الطبیین خلال الدوام وكیفیة استخدام تلك المعلومات من أجل وفي زیادة الكفاءة والحرص على إرضاء المریض، حیث یرتدون مثلا شارات أو بطاقات مدعومة
بموجات رادیو لمتابعة وتقییم كل أعمالھم. ویمكن اعداد ومتابعة سلة مھملات ذكیة تقوم بضغط المھملات وإعادة تدویرھا إلى جانب معرفة كمیة محتوى المھملات بھا وكفایتھا لاستقبال أخرى وعزل بعضھا حسب الخطورة وفق الانظمة.

وكمثال آخر للتقنیة، تقوم متاجر “أمازون” الشھیرة بتسجیل ما یحتاجه المشتري، بالإضافة لقاريء الباركود المسجل في مغلف البضاعة والذي یفحص ویسجل المنتجات التي یریدھا المشتري. ویمكن أن تبین علبة تخزین البیض من أمازون عن الكمیة التي تحتویھا ثلاجتك عبر تطبیق ذلك على ھاتفك المحمول . وتقوم خوذة لاعبي كرة القدم الأمیركیة والمدعومة بأجھزة استشعار بتسجیل بیانات حول صحة اللاعبین ومدى تعرض اللاعب للخطر وإرسالھا إلى وحدة التحكم الخاصة بالفریق وللمدرب للنظر في خططه.

إنترنت الأشیاء تستعد لإحداث ضجة كبیرة في العالم عبر أجھزة الاستشعار الذكیة وشبكات الوصل لتسھیل حیاة الإنسان لدرجة بعیدة من السھولة وتوفیر الراحة. ومنظومة “انترنت الأشیاء” في حقیقتھا، ھي تقنیة رقمیة تربط “الأشیاء” بمختلف أشكالھا وتنوعاتھا باستخدام بروتوكولات الانترنت بحیث تصبح “الأشیاء” عبارة عن شبكة معلوماتیة متصلة ببعضھا البعض ترسل وتستقبل الترددات اضافة لبیانات ال”داتا” والمعلومات… وعبر ھذا الجیل الجدید من الثورة التقنیة في عالم المعلومات ستتطور الأعمال والخدمات وستتغیر كل حیاتنا لأن التقنیة ستساعدنا في كل شيء من “الأشیاء” التي نحتاج لھا في حیاتنا وأعمالنا وكل منا یستطیع الاستفادة في تطویر أعمالھ وصناعتھ وحرفته ، “….الا من أبي” ولم یرغب في الولوج عبر ھذا الباب التقني الجدید.. وبالطبع، عبر ھذه التطورات التقنیة السریعة المتسارعة ستزداد أعمالنا وتجارتنا وستتغیر حیاتنا كثیرا نحو آفاق جدیدة .. وبلا قیاس أو حدود، لأن التقنیة لا حدود لھا.
ونقول، بقدر اجتھادنا یمكننا الاستفادة أكثر وكسر المنافسة والتحلیق بعیدا وما علیك الا كبس زر التقنیة المتوفر أمامك.

نعم ستتغیر حیاتنا وستزید أعمالنا في كل القطاعات التجاریة والمصرفیة والخدمیة وقطاع رواد الأعمال والمؤسسات الصغیرة والمتوسطة والزراعة والصناعة والتعلیم والبحث والترفیه …. وغیرھا من المجالات، ولكن ھذا التطور في الأعمال یحتاج للاستعداد التام لمقابلة المستجدات الجدیدة. ومن أھم ما نحتاج له توفیر الغطاء القانوني ومقابلة المتطلبات القانونیة المستجدة خاصة وأن ھذه الثورة التقنیة الحدیثة تحتاج للتقنین الحدیث وتحتاج لسن التشریعات الضروریة المتطورة والمستندات القانونیة.

الملائمة وللدرجة التي تنظم قانونیة مسار “الأشیاء” المطلوبة في مسیرة “انترنت الأشیاء” المبرمجة وفق القانون.
ومن الناحیة القانونیة، فإن تقنیة “إنترنت الأشیاء” أثارت ومنذ ظھورھا، في المجال الصحي مثلا، جدلا حول اختراقھا لخصوصیة المستخدمین، حیث ستتاح التحدیثات اللحظیة بخصوص ضغط الدم والحالة الفیزیولوجیة للجسم إلى الكثیر من مقدمي الرعایة الصحیة، وذلك قبل الحصول علي موافقة المریض.
وفي ھذا تعدي للخصوصیة ومخالفة لقوانین وأخلاقیات مھنة الطب. ولا بد من توفیر الضمانات القانونیة والاخلاقیة للمرضي حتي عند استخدام “انترنت الأشیاء”. وھذا یحتاج لتوفیر الضوابط القانونیة حتي لا تغرد التقنیة خارج سرب القانون. ولذا لا بد من التقنین ویجب أن یكون مسار التقنیة، وفي جمیع الأحوال، تحت مظلة القانون وفي حمایة القانون.


ان الأعمال التي تتم نتیجة لازدھار وزیادة “انترنت الأشیاء”، وبسبب تداخل “الأشیاء” وتداخل بروتوكولات الانترنت، قد تحتاج لتعریفات قانونیة واضحة لتحدید ھذه الأعمال ودور والتزامات وحقوق وواجبات كل من یشارك فیھا. نقول ھذا، نظرا لأن كل عملیة قد یتداخل فیھا العدید من الأطراف وبدرجات مختلفة، ولكن تحدید حقوق والتزامات كل طرف في غایة الأھمیة حتى یتم تحدید المسؤولیة القانونیة المیاشرة. وكذلك في جمیع المراحل یجب أن یعلم كل طرف أین یقف وما ھو دوره ؟ وھذا ھام من الناحیة القانونیة ویجب الاھتمام به واعداد المستندات القانونیة والعقود واللوائح الضروریة لتجنب المخاطر القانونیة. وعلینا جمیعا وفي كل القطاعات الاستعداد حتي نجني الفائدة ونحن نطور أعمالنا ونشاطاتنا مستفیدین من التقنیات الحدیثة ولیدة “انترنت الأشیاء”. واذا لم نستعد سیفوتنا القطار ونفقد الفرص العدیدة ویتجاوزنا التاریخ كما حدث للعدید من الصناعات الھامة والحضارات التلیدة التي سادت ثم بادت.

من النقاط القانونیة الھامة أیضا، في نطاق الثورة التقنیة الحدیثة المتعلقة بتشبیك وتداخل “انترنت الأشیاء”، أن یتم توفیر الحمایة الكافیة للبرامج التقنیة “السوفت ویر” والأجھزة التقنیة “الھارد ویر” المستخدمة في تشبیك ھذه “الأشیاء” مع بعضھا البعض وكذلك من یستخدمھم ومن یستقبلھم. ھذا لأن توسیع نطاق ھذه النشاطات وتشبیكھا سیفتح الباب واسعا أمام الجرائم السبرانیة الالكترونیة والمجرم الالكتروني الذي ینتظر ھذه السانحة للانقضاض لارتكاب الجرائم الالكترونیة السبرانیة المتعددة وخاصة جرائم الانترنت السبرانیة الخطیرة .. وھنا، نحتاج لقوانین عقوبات حدیثة ومتطورة لتغطي الجرائم الالكترونیة التي ستظھر بسبب انتشار تقنیة “انترنت الأشیاء”. وللأھمیة نقول، یجب أن یتم تعریف شامل وواضح لھذه الجرائم السبرانیة الالكترونیة لردع المجرمین انطلاقا من قاعدة “لا جریمة بدون نص”.


نقول ھذا، مع الأخذ في الاعتبار ان الجرائم الالكترونیة وبجمیع أشكالھا تعتبر من أكبر مھددات استمرار الثورة التقنیة الحدیثة.. ولكن حاجتنا الماسة للتقنیة في كل مناحي حیاتنا تجعلنا نلھث خلفھا ولكن في نفس الوقت علینا أن نقف في وجه الجریمة الالكترونیة عبر عدة سبل ومن أھمھا إعداد القوانین الضروریة والكفاءات المتدربة الواعیة بأصول وأھداف مكافحة كل ھذه الجرائم الحدیثة ومرتكبیھا عدیمي الضمیر ..

واذا أعددنا العدة القانونیة والكفاءات القانونیة سنوفر البیئة المناسبة للانتقال لكل مناحي ثورة تقنیة المعلومات وسنستفید من تقنیة “انترنت الأشیاء” والمراحل التقنیة التي ستتبعھا كنتاج وتطور طبیعي للثورة التقنیة التي لن تتوقف، وخیر دلیل قولھ جل جلاله “وما أوتیتم من العلم الا قلیلا”، وستعلمنا الأیام أكثر وأكثر وعلینا الاستفادة القصوي مما نتعلم.

د. عبد القادر ورسمه غالب

الدكتور عبد القادر ورسمه غالب هو مستشار قانوني وأستاذ قانون مرموق، يحمل درجة البكالوريوس والماجستير في القانون من جامعة الخرطوم ودكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية. لديه خبرة قانونية واسعة تمتد لأكثر من 40 عامًا في مؤسسات دولية وإقليمية، منها البنك الدولي وغرفة التجارة الدولية (ICC) في باريس، حيث يشارك في لجان التحكيم والقوانين المصرفية. عمل في دول الخليج مثل البحرين، الإمارات، عُمان، والسودان، وشغل مناصب استشارية بارزة في بنوك مركزية وأسواق الأوراق المالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى