كتبت هذا المقال بعد أن لاحظت نقص فيتامين (د) في جسمي من خلال الفحوصات التي أجريتها مؤخراً ، فيتامين (د) الذي أحد مصادره التعرض لضوء الشمس في الفرصة الصباحية والمسائية لمدة ٣٠ دقيقة كما نصحني الأطباء ، هذه الفترة أنا أقضيها في عملي داخل المكتب أو في الإجتماعات. وجهت سؤال لنفسي هل يمكنني الحصول على ضوء الشمس في هذه الفترة داخل مكتبي أو وأنا غارق في اجتماعاتي؟
ولدي نفس التسأول الأن عن كيفية إستخدام هذه التقنيات في البيوت المحمية الزراعية لتوفير الضوء للنباتات ، إستخدم أسطح هذه البيوت لتركيب الألواح الشمسية ، والاستفادة منها في توليد الطاقة الكهرباء لسد حاجة البيت المحمي بل وكل المزرعة من الطاقة ، هل من باحثين شغوفين لخوض هذا التحدي؟
م. الشيخ كمال
المقدمة: الضوء الطبيعي… سرُّ الحياة المعاصرة
الضوء هو العنصر الأول الذي يلمسه الفن، والمحرك الخفي للإبداع البشري، بهذه الكلمات وصف المهندسين المعماريين دور الإضاءة في تشكيل الفضاء. اليوم، لم يعد الضوء مجرد عنصر جمالي، بل تحول إلى مقياس للرفاهية والصحة.
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية (٢٠٢٣) إلى أن أكثر من نصف سكان المدن يعانون من نقص التعرض لضوء النهار، مما يرتبط بزيادة معدلات الاكتئاب بنسبة ٣٠٪. وفي الوقت نفسه، تُستهلك ٢٠٪ من الكهرباء العالمية في الإضاءة الصناعية، وفقاً لـلوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA). هنا يبرز سؤال ملحّ: كيف نوفق بين حاجتنا للضوء وحتمية خفض الانبعاثات الكربونية؟
الإجابة تكمن في تقنيات مبتكرة تُحول المباني إلى كائنات “حية” تتنفس ضوء الشمس، وتعيد تعريف العلاقة بين الداخل والخارج.
المشكلة: عوالم مُظلمة تحت أنقاض الحضارة
١. الاختناق العمراني: حين تُحاصر الشمس بالخرسانة
في مدن مثل مكسيكو سيتي أو هونغ كونغ، حيث تتجاوز كثافة المباني ٦٠ طابقًا/كم²، أصبحت الشقق السفلية أشبه بكهوف معزولة. دراسة أجرتها جامعة MIT (٢٠٢٢) كشفت أن ٤٠٪ من سكان الطوابق تحت الأرض في هذه المدن يعانون من اضطرابات نوم مزمنة بسبب الاعتماد الكلي على الإضاءة الاصطناعية.
٢. إضاءة الماضي… عجزٌ عن ملاحقة الحاضر
المناور والنوافذ التقليدية، رغم جمالها، تفشل في تلبية احتياجات العمارة الحديثة:
- في المباني التاريخية مثل قصور فينيسيا، تمنع قيود الترميم تركيب فتحات إضافية.
- في المناطق الاستوائية، تزيد النوافذ الكبيرة من استهلاك أجهزة التكييف بنسبة ٣٥٪، كما تؤكد دراسة في مجلة Energy and Buildings.
٣. الكلفة الخفية للإضاءة الصناعية
ليست المسألة اقتصادية فحسب (فواتير تصل إلى ٥٠٠ دولار شهريًا للمباني التجارية الكبيرة)، بل صحية أيضًا:
- مصابيح LED الزرقاء تُثبط إفراز الميلاتونين بنسبة ٥٠٪ بعد ٣ ساعات من التعرض، وفقًا لـجامعة هارفارد.
- الإضاءة غير الكافية في المدارس تُقلل تركيز الطلاب بنسبة ٢٥٪، بحسب منظمة UNESCO.
الحلول: هندسة الضوء… حيث تلتقي الفيزياء بالذكاء الاصطناعي
١. نظام “بارانز” الشمسي: عيونٌ آلية تراقب الشمس
الفيزياء العبقرية خلف هذا الاختراع
- تعتمد العدسات على تقنية فريسنل (Fresnel Lens)، التي تُكثف الضوء عبر حلقات متحدة المركز بسمك ٢ مم فقط، بدقة تصل إلى ٠.٠١ درجة في تتبع الشمس.
- تُصنع الكابلات الضوئية من زجاج الكوارتز النقي، الذي ينقل ٩٨.٧٪ من الضوء لمسافة ١٠٠ متر مع فقدان لا يتجاوز ١.٣٪، متفوقةً على الألياف البصرية التقليدية.

المصدر : https://www.osapublishing.org/oe/fulltext.cfm?uri=oe-24-26-A1528&id=354359
التطبيقات التي تُعيد كتابة قواعد التصميم
- في متحف اللوفر أبوظبي، تُستخدم كابلات “بارانز” لإضاءة القاعات تحت الأرض دون التأثير على التحف الحساسة للحرارة.
- مشروع “Sunlight Underground” في لندن: نقل ضوء النهار إلى محطة قطار عميقة، وفر ١.٢ مليون كيلوواط/سنة.

المصدر : http://www.solar-for-energy.com/indoor-solar-lighting.html
٢. الأنابيب الشمسية: أنهار الضوء التي تجري في عروق المبنى
الهندسة الداخلية: من القبة إلى المصباح
- القبة الشفافة: مصنوعة من بولي كربونات مضاد للأشعة فوق البنفسجية، بزاوية ميل ٤٥ درجة لالتقاط أقصى ضوء عند الشروق والغروب.
- الأنبوب العاكس: طبقة من نيتريد التيتانيوم تعكس ٩٩.٩٪ من الضوء (أعلى من مرآة التلسكوبات الفضائية!)، مع تصميم حلزوني يقلل الفقدان إلى ٠.١٪ لكل متر.
- وهذا شرح لكيفية عمل هذه التقنية من شركة Solatube على الرابط التالي:
https://youtu.be/wrAJy2pYH7w

المصدر: https://www chatronpt/en/tubo-solar/tubo-solar-2
الأرقام التي تُذهل العقل
- في سنغافورة، خفضت أنابيب قطر ٢٥ سم فواتير الطاقة في مجمع سكني بـ ١.٨ مليون دولار سنويًا.
- تجربة في اليابان: إضاءة مستودع تحت الأرض بمساحة ٥٠٠ م² باستخدام ٣ أنابيب فقط، بتكلفة تركيب لا تتجاوز ١٠٬٠٠٠ دولار.

المصدر: https://www.newearthsourcing.org/eclairer-piece-sombre-miroir.html
٣. التقنيات الناشئة: مستقبل الإضاءة يتشكل اليوم
- ألواح شمسية شفافة: طورت شركة Ubiquitous Energy نوافذ تُنتج كهرباء من الأشعة تحت الحمراء، بينما تسمح بمرور الضوء المرئي.
- نظام “HyLight” الهجين: يجمع بين الألياف الضوئية ومصابيح LED ذكية تُضبط شدة إضاءتها تلقائيًا بناءً على حركة السحب، كما في مبنى The Edge بأمستردام، الذي يُعد “أذكى مبنى في العالم”.
المميزات: لماذا تُعتبر هذه التقنيات ثورة في عالم العمارة؟
١. الاستدامة: حين يُصبح توفير الطاقة فنًّا
- كل ١٠ أمتار من كابلات “بارانز” تُقلل انبعاثات الكربون بمقدار ١.٥ طن سنوياً، أي ما يعادل زراعة ٧٠ شجرة.
- الأنابيب الشمسية في المدارس تُحسن أداء الطلاب بنسبة ٢٢٪، وفقًا لتجربة في كاليفورنيا، وتخفض تكاليف الصيانة بنسبة ٤٠٪ مقارنة بالإضاءة التقليدية.
٢. الصحة: ضوء الشمس… دواءٌ بدون وصفة طبية
- في مستشفى كليفلاند كلينك، أدى استخدام الأنابيب الشمسية في غرف المرضى إلى:
- تقليل فترة الاستشفاء بنسبة ١٨٪.
- خفض استخدام المسكنات بنسبة ٢٧٪.
- دراسة في النرويج أثبتت أن العمال في مكاتب مضاءة طبيعياً يقل غيابهم المرضي بنسبة ٣١٪.
- ولا تنسوا مشكلتي الخاصة بفيتامين (د).
٣. الجماليات: عندما يلعب الضوء دور النحات
- في فندق Marina Bay Sands بسنغافورة، تُستخدم الأنابيب الشمسية لتشكيل أنماط ضوئية متحركة على الجدران، تحاكي حركة الشمس في السماء. ويقول أحد المهندسين المعماريين أن “الضوء الطبيعي هو أفضل مصمم ديكور… إنه يُحيي الألوان ويخلق إحساساً بالاتساع حتى في المساحات الضيقة”.
التحديات: العقبات وكيفية تحويلها إلى فرص
١. التكلفة: الاستثمار الذي يُثمر على المدى الطويل
- سعر نظام “بارانز” للمنزل المتوسط: ١٢٬٠٠٠ دولار، لكنه يُوفر ٢٬٠٠٠ دولار سنويًا، أي أن فترة الاسترداد لا تتجاوز ٦ سنوات.
- الحلول الحكومية: في ألمانيا، تُغطي الدولة ٥٠٪ من تكلفة تركيب الأنابيب الشمسية كجزء من مبادرة Energiewende.
٢. التثبيت في المباني القديمة: هندسة الإبداع
- مثال مدهش: في قصر فيرساي بفرنسا، تم تركيب أنابيب شمسية “مموهة” داخل تماثيل زخرفية، دون المساس بالطراز الباروكي.
- شركة Solatube تقدم أنابيب مرنة قابلة للطي بزاوية ٣٦٠ درجة، مما يسمح بتجاوز العوائق المعمارية.
٣. الصيانة: تكنولوجيا تُكافح نفسها!
- بعض الأنظمة تُزود بفرشاة آلية تنظف القبة يوميًا باستخدام ذراع روبوتية، كما في أنظمة Heliobus السويسرية.
- في المناطق الثلجية، تُسخن القبة الشفافة تلقائيًا لإذابة الجليد دون استهلاك طاقة إضافية.
الرؤية المستقبلية: إضاءةٌ تتنبأ باحتياجاتك!
١. الذكاء الاصطناعي: الضوء الذي يتعلم منك
- شركة Philips تطور مصابيح LED تُغير لونها تلقائيًا لمحاكاة دورة الضوء الطبيعية، مع توصيلها بتطبيق ذكي يراقب عادات النوم.
- في مشروع “Adaptive Light” بجامعة ستانفورد، تُستخدم خوارزميات لتعديل الإضاءة في الوقت الفعلي بناءً على كثافة السحب وحركة السكان داخل المبنى.
٢. المواد الذكية: زجاجٌ يُضيء نفسه!
- مادة الإيروجيل (Aerogel) الشفافة بنسبة ٩٩.٨٪، والتي تُستخدم لعزل الأنابيب الشمسية مع الحفاظ على نقل الضوء بكفاءة وغيرها من الكثير من التقنيات.
الخاتمة: نحو عمارة تحاور الشمس
لم تعد الإضاءة الطبيعية ترفاً، بل ضرورة في عالم يبحث عن الاستدامة. تقنيات مثل “بارانز” والأنابيب الشمسية ليست مجرد أدوات بل فلسفة جديدة في العمارة، حيث تصبح المباني كائنات حية تتفاعل مع محيطها. وأعتقد أن المبنى الجيد هو الذي يحتضن الضوء، لا أن يحاربه. فهل نستمع لنداء الشمس قبل أن تغيب خلف أسوار الخرسانة؟
المراجع العلمية والمصادر
- منظمة الصحة العالمية (WHO). (٢٠٢٣). تأثير نقص الضوء الطبيعي على الصحة العقلية.
- الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA). (٢٠٢٣). تقرير استهلاك الطاقة في الإضاءة الصناعية.
- جامعة هارفارد. (٢٠٢١). تأثير الضوء الأزرق على إفراز الميلاتونين.
- منظمة اليونسكو (UNESCO). (٢٠٢٢). تأثير الإضاءة على التحصيل الدراسي.
- التكامل بين الحيزات الداخلية والبيئة الخارجية المحيطة باستخدام الأساليب الحديثة لأنظمة الإضاءة الصناعية ،هديل ماهر حسن محمد القط ، جامعة المنصورة – كلية الفنون الجميلة
- شركة Ubiquitous Energy. (٢٠٢٣). النوافذ الشمسية الشفافة.
- مستشفى كليفلاند كلينك. (٢٠٢١). تأثير الإضاءة الطبيعية على فترة الاستشفاء.
- معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). (٢٠٢٣). أبحاث حول نوافذ توليد الطاقة باستخدام الإيروجيل.
- شركة Philips. (٢٠٢٣). مصابيح LED الذكية القابلة للتكيف.
- مبادرة “Energiewende” في ألمانيا. (٢٠٢٣). دعم تركيب الأنابيب الشمسية.
- شركة https://solatube.com/