زاوية قانونية
أخر الأخبار

أثر حوكمة الشركات

إن حوكمة الشركات، في إيجاز، هي الأنظمة والقوانين والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وحملة الأسهم وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة من ناحية أخرى. وحوكمة الشركات تشمل العلاقات بين هذه المصالح المختلفة والأهداف وإدارة الشركة وأصحاب المصالح الأخرى وهي فئة تشمل العمال والعملاء والدائنين والموردين، والمنظمين، بل والمجتمع بأسره.

حوكمة الشركات منذ بدايتها تعتبر من المواضيع متعددة الأوجه والميزات. والموضوع الهام في حوكمة الشركات هو ضمان المساءلة من الأفراد في الشركة من خلال الآليات المؤسسية المعدة لتقليل أو القضاء على بعض المشكلات الرئيسية التي قد تطرأ. والدافع الرئيسي والصلة المباشرة لهذه الممارسات يركز على أثر نظام حوكمة الشركات في تحقيق الكفاءة الاقتصادية، مع التركيز القوي على رفاهية المساهمين. ولا تزال هناك جوانب أخرى ذات أهمية في حوكمة الشركات، مثل رأي أصحاب المصلحة والتطور في هذا المجال بالطبع سيستمر مع مرور الزمن ومتطلباته. ومنذ عام 2000 تقريبا، تلاحظ وجود اهتمام متزايد من الشركات الحديثة في التركيز علي ممارسة حوكمة الشركات، وهذا يعود بسبب انهيار عدد من الشركات الاميركية الكبرى مثل شركة انرون و شركة ورلد كوم Sarbanes-Oxley المحدودة. مما أدي في عام 2002 ، الى اصدار أمريكا لقانون ساربانيس أوكسلي لإستعادة ثقة الجمهور في إدارة الشركات وتعظيم دورها في خدمة الاقتصاد لتطوير المجتمعات.

“حوكمة الشركات”، يعرفها البعض، بأنها السياسات الداخلية التي تشمل النظام والعمليات والأشخاص بهدف خدمة إحتياجات المساهمين وأصحاب المصلحة، وذلك من خلال توجيه ومراقبة أنشطة إدارة الأعمال الجيدة مع الحرص على الموضوعية والمساءلة والنزاهة. فالإدارة السليمة للشركات تعتمد على الالتزام بمتطلبات السوق الخارجية والتشريعات، بالإضافة إلى وجود ثقافة صحية متمكنة تشمل وتراعي كل الضمانات للسياسات والعمليات التي تتم في الشركة. وهذا الوضع يقودنا الى القول، بأن حسن إدارة الشركات يمكن أن يؤثر مباشرة على سعر السهم مما يقود بدوره لزيادة رأس المال، وبالطبع هذا يتم بالاستفادة من أنظمة الأسواق المالية والتشريعات وغيرها من قوى السوق الخارجية بالإضافة إلى كيفية تنفيذ السياسات والعمليات الناجحة، وكيفية قيادة الناس لتنفيذ هذه السياسات. ومن دون شك، فان ما تقوم به الشركات من حسن الادارة يمثل فرصة لتمييزها عن المنافسين وهذا ينبع من خلال ثقافتها الإدارية وردع الأنشطة الاحتيالية وسياسة الشفافية التي تضع الشركة في المسار السليم.

نظام حوكمة الشركات، في أغلب الأحوال، هو عبارة عن نظام لتنظيم وتشغيل الشركة والسيطرة عليها بهدف تحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل لإرضاء المساهمين والدائنين والعاملين والعملاء والموردين، وفي نفس الوقت، الالتزام التام للمتطلبات القانونية والتنظيمية، وهذا إضافة الى الوفاء بالمتطلبات البيئية المحلية واحتياجات المجتمع، وهذا واجب أخلاقي يمثل أخلاقيات الحوكمة.

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الشركات المتعددة الجنسيات. وحوكمة الشركات في خلال هذه الفترة كانت موضع نقاش كبير في الولايات المتحدة وحول العالم. وبذلت جهود واسعة النطاق لإصلاح الحوكمة بهدف مراعاة احتياجات ورغبات المساهمين في ممارسة حقوقهم في ملكية الشركات وزيادة قيمة أسهمها، وبالتالي، ثروتها. وبسبب هذا الوضع والتطور في دور الشركات، توسعت واجبات مديري الشركات، ونقول أن هذه الواجبات، وبشكل كبير أصبحت خارج نطاق المسؤولية القانونية التقليدية وذلك إنطلاقا من واجب الولاء للمؤسسة ومساهميها. وبسبب هذه التطورات والنظرة الحديثة في ادارة الشركات، تم طرد الرؤساء التنفيذيين في شركة كبيرة مثل آي بي إم، وكوداك، وهانيويل وغيرهم، وكل هذا بسبب ظهور موجة من النشاط المؤسسي للمساهمين وتفعيل دورهم.

في خلال هذه الفترة، وبسبب سوء الادارة، أدت الإفلاسات الهائلة والمخالفات الجنائية من شركة انرون وورلدكوم، وكذلك اتصالات أدلفيا، أمريكا أون لاين، شركة آرثر أندرسن، غلوبال كروسينغ، تايكو وغيرها للفشل، وكل هذا أدى إلى زيادة الاهتمام بحقوق المساهمين والاهتمام بحوكمة الشركات في إدارة الشركات. وهذا بدوره ساهم في خلق الأرضية المناسبة لأصدار قانون ساربانيس أوكسلي لضبط أوضاع الشركات.

إن حوكمة الشركات لها الأثر الإيجابي في تحسين ادارة الشركات على كل مساهم ومختلف أصحاب المصلحة وغيرهم من المرتبطين، وحسن الأداء يقود الى تقوية الاقتصاد، وبالتالي فان الإدارة السليمة للشركات تقود الى خلق أداة قوية من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما ينفع الجميع. وهذا دليل على مدى أهمية أثر حوكمة الشركات وتطبيقها بحذافيرها. ولنفعل.

د. عبد القادر ورسمه غالب

الدكتور عبد القادر ورسمه غالب هو مستشار قانوني وأستاذ قانون مرموق، يحمل درجة البكالوريوس والماجستير في القانون من جامعة الخرطوم ودكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية. لديه خبرة قانونية واسعة تمتد لأكثر من 40 عامًا في مؤسسات دولية وإقليمية، منها البنك الدولي وغرفة التجارة الدولية (ICC) في باريس، حيث يشارك في لجان التحكيم والقوانين المصرفية. عمل في دول الخليج مثل البحرين، الإمارات، عُمان، والسودان، وشغل مناصب استشارية بارزة في بنوك مركزية وأسواق الأوراق المالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى